في العاشر من الشهر الحالي، داهمت قوة أمنية بلدة صمّا في إربد للقبض على شخص بتهمة تكسير شهود القبور فيها. تعرضت القوة لرد عنيف من المطلوب وأشقائه استخدموا فيه العيارات النارية والحجارة والأدوات الحادة، بحسب البيان الأمني، فأصيب خمسة من أفراد الأمن، وتوفي شقيق المطلوب بعيار ناري «غير محدد المصدر» بحسب الأمن الذي فتح تحقيقًا للوقوف على التفاصيل. يقول فراس التل، وهو أحد أقرباء العائلة، إن أهل البلدة «استفزهم» الاقتحام، خاصة بعد أن أطلق أحد رجال الأمن رصاصة بالهواء، ليردوا بالرصاص مصيبين خمسة من عناصر القوة، قبل أن يتلاسن شبيب المقابلة – وهو عنصر في القوات المسلحة شقيق المطلوب عوض مع رجال الأمن ويطلق أحدهم النار عليه، بحسب ما يروي التل. وأكد محافظ إربد لحبر سعد شهاب فتح تحقيق بالحادث. تلك واحدة من بين 27 وفاة حدثت خلال مداهمات أمنية منذ بداية عام 2013 حتى الآن، سواء من المطلوبين أو أشخاص آخرين، فيما استشهد سبعة من مرتبات الأمن العام في المداهمات نفسها، بحسب رصد أجراه حبر للأخبار الصادرة من الأمن أو المنشورة في الصحف والمواقع الرسمية عن مصدر أمني. هذا الرقم يشمل كل الوفيات التي حدثت خلال مداهمة أمنية، سواء برصاص الأمن مباشرة، أو في ظروف تضاربت فيها رواية الأمن العام مع رواية أهل المطلوب، أو التي قال الأمن أن التحقيق حول ملابساتها لا يزال جاريًا. هذه المداهمات -التي تركزت النسبة الأكبر منها في معان- أثارت وما تزال تثيرًا جدلًا بين واجب الأمن العام في القبض على المطلوبين والدفاع عن أنفسهم وحماية أمن المجتمع، وحق المطلوبين في الحياة والإجراءات العادلة في الاعتقال والتحقيق والمحاكمة. كما تثير المداهمات السؤال حول مدى محاسبة رجال الأمن إن أخطأوا وآلية تلك المحاسبة، خاصة بما ينعكس ذلك على ثقة أهالي المطلوبين بتطبيق القانون وحثّهم على تسليم أنفسهم، دون الخوف من خرق الإجراءات.
بعد محاولات عدة لأخذ ردّ من المكتب الإعلامي في الأمن العام أو محافظ معان حول تنفيذ المداهمات واتهامات الأهالي ومدى محاسبة عناصر الأمن، لم تعلق تلك الجهات على تساؤلات حبر. فيما نفى مصدر منتدب من وزارة الداخلية، أي من أشكال الاستخدام المفرط للقوة، مؤكدًا إحالة كل من يخالف القانون للجهات المختصة. المداهمات بين القانون والتطبيق قبل أشهر، أشادت الداخلية في بيان لها بالمداهمات التي ينفذها رجال الأمن والدرك بين الحين والآخر معتبرة أنها تهدف لفرض هيبة الدولة وتحقيق الأمن والأمان للمواطنين. تعلق النائب وعضو مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان وفاء بني مصطفى على عدد الوفيات في رصد حبر بأنه «رقم عالٍ ومؤسف، حتى وإن كانوا مجرمين أو مطلوبين يجب أن يكون هناك طريقة أخرى أكثر سلمية لمحاولة اعتقالهم» داعية إلى «مراجعة الإجراءات التي يتم من خلالها فرض القانون وإلى إخضاع كافة القوى الأمنية المشاركة في المداهمات إلى التدريب». وتسأل المحامية في المركز الوطني لحقوق الإنسان نسرين زريقات عن التزام الجهات الأمنية بالمبادئ المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان حول توفير معايير التناسبية والضرر، «أي أن يكون عدد الوحدات الأمنية المشاركة في المهمة يتناسب مع عدد الأشخاص المنوي القبض عليهم، وأن يتم تقييم الضرر الصادر من المطلوب». وتأخذ زريقات على الأمن عدم إعلانه لتفاصيل المداهمات التي ينتج عنها وفيات تحديدًا للرأي العام. وكان المركز الوطني لحقوق الإنسان أشار في تقريره حول حالة الحريات في الأردن لعام 2014 إلى تلقيه 18 إخبارًا تفيد باقتحام المنازل لإلقاء القبض على مطلوبين، رافق بعضها استخدام القوة وترويع النساء والأطفال، مقدمًا توصيته عدم اللجوء لاقتحام المنازل الا بحالات الضرورة وعدم استخدام المفرط للقوة. يوضح المنسق الحكومي في رئاسة الوزراء باسل الطراونة لحبر، أن الاستعمال المفرط للقوة «محظور ومجرّم قانونيًا»، بالاستناد إلى المادة 9 من قانون الأمن العام الذي يوضح الحالات التي يلجأ لها لأمن لاستخدام القوة، مؤكدًا إحالة كل من يثبت بحقه استخدام مفرط للقوة في الواجبات الرسمية للمحاسبة. المادة (9) من قانون الأمن العام: لأفراد الأمن العام اللجوء إلى استعمال القوة بالقدر اللازم لأداء واجباتهم بشرط أن يكون استعمالها هو الوسيلة الوحيدة لذلك (…) ويراعى في جميع الأحوال السابقة أن يكون إطلاق النار هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأغراض السابقة، ويبدأ رجل الأمن بالإنذار إلى أنه سيطلق النار، ثم يلجأ بعد ذلك إلى إطلاق النار، ويجري الإنذار نفخًا بالبوق أو الصفارة أو بأية وسيلة أخرى من هذا النوع أو بإطلاق مسدس تنبعث منه إشارة ضوئية. إلا أن الطراونة يلفت لحصول بعض الأخطاء الفردية التي تحال للمسائلة مباشرة، دون أن تعتبر تلك الأخطاء «منهجية» في التعامل. تروي عائلة محمود أبو دية الفناطسة (أبو سليمان) في معان قصتها في المداهمات الأمنية لمنزلهم دون أن يكون أحدٌ من أبنائها مطلوبًا للجهات الأمنية، إلا أن قرابتهم لمطلوبين من العائلة نفسها كانت مبررًا كافيًا للجهات الأمنية للمداهمة للبحث عن المطلوبين، ما نتج عنها هدم جزء من جدار المنزل. يروي أبو سليمان -وهو ابن عمّ لمطلوبين- ليلة دخول القوة الأمنية لمنزله: «هدّوا الحيط، وهينا حطينا حرامات عشان ما نكون مكشوفين، ودخلوا من ورا الدار وطلعوا الجميع برا، بعدين دخلوني أنا لحالي ع البيت قدامهم وحاطين علي سلاح، يعني استخدموني درع بشري، وفتشوا البيت، والله لو نطت بسّة قدامي ونقزت كانوا طخوني ومتت».
[ابو سليمان يقف قرب منزله أمام حائط هدم أثناء المداهمة. تصوير دانة جبريل]
يميز أبو سليمان بين مداهمات حصلت لمنازلهم قبل سنوات وبين ما حدث مؤخرًا. «ع الأقل، زمان كانوا يجوا معهم أمر وقبل ما يطلعوا يعطونا ورقة نوقع عليها بعد ما نتفقد البيت. هسه ما في منه هاد الحكي». في الوقت الذي وجه فيه أبو سليمان هذا الاتهام للأمن، اتهمت وزارة الداخلية المطلوبين في معان في تلك المداهمات «باستخدامهم للنساء والأطفال كدروع بشرية لحمايتهم من القوة الأمنية ما اضطر القوة للتراجع حرصًا على سلامة النساء والأطفال وعدم تعريضهم للخطر». ما يلفت له أبو سليمان منصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي يمنح في مادته 82 الادعاء العام الحق في تفتيش الأمكنة التي يحتمل فيها وجود ما يساعد على ظهور الحقيقة، بينما توضح المادة 85 شروط تفتيش منازل لأشخاص غير مشتكى عليهم. من جانبه يؤكد الطراونة بأن الأمن العام «لا يفتش أي منزل إلا بموافقة خطية من المدعي العام، وأن تفتيش المنازل لا يتم إلا في حالات محدودة نظراً لجسامة الفعل المرتكب أو نوع الطلب على الشخص المراد ضبطه أو تفتيش منزله»، مشيراً الى وجود «فرق خاصة مدربة تعمل بحرفية ومهنية عالية يؤهلها تدريبها لعدم المساس بالأبرياء». الحق في الحياة مقابل الأمن المجتمعي استطاع حبر الاطلاع على بعض قضايا التي لوحق على إثرها مطلوبون قتلوا في المداهمات، منها قضايا سرقة، أو تجارة مخدرات، أو قطع طرق، أو شروع بالقتل، أو هتك عرض. إلا أنه ما بين حقوق المطلوبين قضائيًا وأمنيًا بالمحاكمات العادلة، وحق رجل الأمن في الدفاع عن نفسه، وحق المجتمع بالسلم والأمن، مساحة لجدل واسع. «ضياع فرد مدني أهم من القبض على 100 مطلوب بالنسبة لي»، تقول النائب وفاء بني مصطفى. يقابل ذلك ما يقوله المحامي المعروف بمرافعاته عن أفراد الأمن في محكمة الشرطة أحمد النجداوي «أن أمن وسلامة المجتمع يفوق بالأهمية أحيانًا أمن مخلّين بالقانون». من جهته، يؤكد الباحث المختص في قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش آدم كوغل لحبر على ضرورة رفع جاهزية الجهات الرسمية بحيث تضمن عدم وقوع أي وفيات خلال المداهمات الأمنية. تشدد بني مصطفى في الوقت نفسه على حق رجل الأمن بالدفاع عن نفسه، في حال شعر بالخطر على حياته. تطالب زريقات بدورها الأمن بتوضيح هذه الجزئية للرأي العام في كل مرة يقتل فيها مطلوب. «يجب أن يوضح الأمن ماذا حصل بالتحديد كي نعرف دواعي استعمال القوة». حاول حبر الحصول على إجابات حول المعايير التي تتبعها لجان التحقيق المختصة في محكمة الشرطة عند النظر في حالات الاستخدام المفرط للقوة والدفاع عن النفس، لكن المكتب الإعلامي في مديرية الأمن العام رفض التصريح. مع عدم وجود تصريحات واضحة من الجهات المختصة حول تفاصيل المداهمات، يعتمد حبر على رصد لما نشر عن بيانات الأمن ومصادر أمنية في وسائل الإعلام. وبحسب هذا الرصد فقد قُتل ستة أشخاص في مداهمات الأشهر الستة الأولى من عام 2013 جميعهم في معان، و12 في مداهمات عام 2014 فقط، وتسعة منذ بداية العالم الحالي للآن.
الطراونة يشير إلى أن «عدد الوفيات خلال المداهمات الأمنية إذا ما قورن مع عدد المداهمات المنفذة في المملكة لنفس الرقم يظهر ضآلة نسبة الوفيات»، مع تأكيد «حرص الحكومة على عدم إزهاق أي روح مهما كان الجرم المرتكب من قبل صاحبها». «محاكمات ميدانية» أم رد بالمثل؟ يكتفي الأمن في التصريحات الصادرة عنه حول المداهمات التي ينتج عنها وفيات بالحديث عن وجود مقاومة «شديدة» من قبل المطلوب وأعوانه في بعض الأحيان، ما يضطر القوة للرد بالمثل، وهو ما يدل عليه استشهاد سبعة من مرتبات الأجهزة الأمنية المختلفة منذ بداية 2013 خلال «قيامهم بالواجب في القبض على المطلوبين في المداهمات أو المطاردات»، حسب رصد حبر. إلا أن أهالي المطلوبين يشككون في بعض الروايات الأمنية. عائلة أحمد الربابعة الذي قتل في جديتا بمحافظة إربد بداية العام الحالي -وكان مطلوبًا على خلفية 49 قيدًا أمنيًا بحسب الأمن- اتهمت الأمن بوجود نية قتل عمد للمطلوب، فيما اتهم شقيق المتوفي في حديثه مع حبر الأمن «بالإعدام الميداني» لشقيقه، الذي يؤكد أنه كان مطلوبًا للأمن منذ سنوات عدة. يقول عبد المنعم الربابعة إن الأجهزة الأمنية لم تسعف شقيقه أحمد لأربع ساعات من الإصابة ما أدى لوفاته. ويشير تقرير الطب الشرعي الذي اطّلع عليه حبر إلى أن سبب الوفاة هو النزيف. من جهته قرر النائب العام في مديرية الأمن العام «منع المحاكمة وحفظ أوراق القضية». بحسب محامي العائلة عبدالله الكيلاني. يوضح الكيلاني «أن تحقيقًا أجري من قبل مدعي عام شرطة غرب إربد لمعرفة حيثيات القضية كاملة، إلاّ أنه توصل لمنع المحاكمة لتعذر معرفة الفاعل»، وقدّم الكيلاني طلبًا لرئيس النيابات العامة لتمييز القضية، «لكن ملف القضية الأصلي لم يصل للنيابات العامة من مديرية الأمن العام منذ ثلاثة أشهر». تلك الاتهامات تكررت خلال حديثنا مع بعض الأهالي في معان. تقول أم سليمان أبو دية ابنة عم أربعة مطلوبين قتلوا خلال السنة والنصف الأخيرة: «هذول مطلوبين. ليش ما يتحاكموا؟ بدهم يقنعوني إنه دولة ما قدرت تمسك ولد [عمره] 18 سنة؟». المصدر سابق الذكر في وزارة الداخلية، استهجن بشدة اتهامات الأهالي بتقصد القتل، مؤكدًا أن ذلك «من الاستحالة أن يكون ضمن السياسات الأمنية الأردنية». من جهته، لا يرى النائب عن محافظة معان وعضو «اللجنة النيابية لمتابعة أحداث معان» أمجد آل خطّاب أن هناك «نوايا قصدية أو تصفيات» في المداهمات التي ينتج عنها وفيات، ويعتقد أنها دومًا تؤشر لضعف الاحترافية ونقص التدريب خلال العملية الأمنية. كثافة الوفيات في معان تأتي محافظة معان في الموقع الأول في الوفيات خلال المداهمات من كلا الطرفين، المطلوبين والأمن. أكدت جهات رسمية في السابق على عدم استهدافها للمدينة ومحاولتها فقط القبض على المطلوبين، لكن ذلك لم يمنع تصاعد الاتهامات النيابية بالتعامل الأمني الخاطئ الذي أدى لـ«معاقبة المدينة جماعيًا»، مع الاستهجان «لعدم مقدرة الدولة القبض على المطلوبين».
رئيس لجنة متابعة قضايا معان محمد أبو صالح، قال في حديث لحبر العديد من المطلوبين في معان «تمت تبرئتهم في العديد من القضايا لعدم وجود دليل، لكن تمت معاملتهم بطريقة سيئة في التحقيق (..) بالإضافة إلى نظرة المجتمع السيئة لهم، [ووضع] أسماءهم كمتهمين في أي قضية سرقة تحصل لاحقًا، ليصبحوا مطلوبين مرة أخرى». يضرب أبو صالح مثلًا ببدر أبو دية، أحد المطلوبين المقتولين في مداهمة أمنية في معان: «بدر لما توفّى كان مش مكمل 21 سنة، وكان عليه 158 قيد. يعني من لما كان عمره 10 سنين برتكب جريمة أسبوعيًا؟». في معان، تساءل عدد من المواطنين عن الغياب الأمني في السنوات السابقة، الذي وصفوه سببًا في تنامي المطلوبين، بحسب حديثهم لحبر.
أربعة قتلى من عائلة وحدة، وخامسٌ أصيب بالشلل، وسادس سلّم نفسه في آيار عام 2013، قُتل عيسى أبو دية الفناطسة في مطاردة أمنية. ظهر بعدها تسجيل فيديو -سرعان ما حذف- يظهر ما أسمته العائلة تنكيلاً بابنها، طالبة فتح تحقيق بالحادث. بعد عام ذلك، قُتل شقيقه بدر (20 عامًا) في «كمين أمني» بحسب العائلة، بينما أوضح وزير الداخلية السابق حسين هزاع المجالي بأن بدر أطلق النار على القوة الأمنية، وكان بحقه حينها «55 طلبًا أمنيًا و19 أمر جلب و79 أسبقية جرمية». رفضت عائلة أبو دية دفن ابنها حتى تعرف حيثيات مقتله، بالأخص مع عدم ورود أي إبلاغ أو توضيح رسمي للعائلة. «ما إجا علينا حد يوضح لنا شو صار. أنا عرفت من النساوين اللي أجوا ع الدار والتلفونات والفزيع»، تقول الوالدة. بقي بدر في ثلاجة مستشفى البشير سنة وأربعة أشهر، أصيب خلالها شقيقه فرج برصاصة من الأمن سببت له الشلل، ليعالج بمكرمة ملكية في المدينة الطبية، فيما بات شقيقاه أحمد وقاسم بعدها خارجين عن القانون. «يعني أحمد صار يطخطخ ويولع عجال ويسكر طرق، بده يعرف مين اللي قتل أخوه»، تقول والدته.
[.شعارات على جدران منزل عائلة الفناطسة تنعى ابنها بدر. تصوير دانة جبريل]
قتل أحمد وقاسم لاحقًا، في أولى المداهمات الأمنية خلال عهد وزير الداخلية الحالي سلامة حمّاد بعد إقالة المجالي. وأكدت وزارة الداخلية حينها مقاومة القوة الأمنية المرسلة للقبض على المطلوبين بالألغام الأرضية والعيارات النارية. دفن أحمد وقاسم وشقيقهما بدر في يوم واحد. «سألوني بدك تدفني ولادك ولا تخلي هاد عند هذاك؟ حكيت لهم لا بكفي شو العيلة بدها تلحق بعضها واحد ورا واحد؟ خلص بكفي!»، تقول والدة المطلوبين. وبقي فرج مصابًا بشلل كامل بالأطراف دون الحصول على كامل علاجه بعدما خرج من المدينة الطبية. «الدولة اتكفلت بعلاجي وما حدا متعرف عليّ هسّا»، يقول لحبر. لاحقا، سلّم الشقيق السادس فوّاز نفسه لوزير الداخلية عندما زار الأخير معان للوقوف على مطالب المواطنين واحتياجاتهم، فيما اعتبرته لجنة متابعة قضايا معان بأنه مبادرة لإعادة جسور الثقة بين المواطن والدولة. لماذا لم يسلموا أنفسهم؟ تمثل إشكالية عدم تسليم المطلوبين لأنفسهم إلى الأمن، ومن بينهم أبناء عائلة أبو دية، مجمل الأزمة في المحافظة، والتي «يفتقد أبنائها الثقة بوجود ضمانات محاكمات عادلة وعلى رأسها ظروف التحقيق الملائمة»، بحسب أبو صالح. تستذكر والدة الأشقاء المطلوبين حديثًا دار بينها وبين ابنها الأكبر أحمد قبل وفاته، عندما حثّته على تسليم نفسه. «والله أقنعته وما كان يرضى، يحكيلي غير يعذبوني ويبعتوا شريط للناس تتفرج علي». إلا أن الوالدة تحمل عتبها على ابنها بدر بعد وفاته. «كان عليه قضايا سرقات مسكوه وحطوه بدار الأحداث مرتين وشرد. ومرة منهم أنا وأخته حشرناه وأخوه سلمه للشرطة ورجع شرد. حجمه كان صغير ويفرّ، وبس كبر بطلنا نقدر نسيطر عليه». وتقول متمنيةً لو أن ابنها قضى محكوميته كاملة: «لو كان عليه تشديد مزبوط مزبوط بدار الأحداث ما هرب العيل من الشبابيك، أنا والله كنت أصيح وألطم على راسي يوم يشرد». يلفت أبو صالح إلى ضرورة أن يشعر المطلوبون وأهاليهم بأن القانون يطبق على الجميع بالتساوي. «هل يحاسب رجال الأمن الذين تجاوزوا القانون في معان؟»، يسأل أبو صالح. «عندما أقنع مطلوبًا بأن يسلم نفسه علي أن أحفظ حقوقه أيضًا. هل تمت محاسبة من أخطأ بحقه؟». هل يحاسب الأمن إن أخطأ؟ يشدد المحامي النجداوي على حزم محكمة الشرطة في محاسبة مرتبات الأمن الذين يمثلون أمامها، نظرًا «لأهمية وظيفتهم وضرورة التزامهم بالقانون». بحسب المواد 81 – 85 من قانون الأمن العام، فإن لجان تحقيق تُشكل من عدد من الضباط يختارهم مدير الأمن العام أو من ينوب عنه للنظر في الشكاوي على أفراد الأمن، لتقدَّم نتائج التحقيقات جميعها للمدعي العام ليتابعها أو يغلق ملف القضية حسب طبيعتها. وفي عام 2013 حكمت محكمة الشرطة على مرتب برتبة نقيب في إدارة مكافحة المخدرات بطرده من الخدمة والحكم عليه 15 عامًا مع الأشغال الشاقه بعدما وجهت له تهمة القتل القصد خلال مداهمة أمنية قام بها عام 2010 مع زملائه في أم السماق، قتل خلالها أحد المطلوبين بعد أن تهجم على رجال الأمن بالضرب. بالرغم من ذلك، تأخذ النائب بني مصطفى على آلية محاسبة من يتجاوز القانون من الجهاز الأمني أنها تتم أمام جهة أمنية فقط دون إشراك للجهات المستقلة في التحقيق أو المساءلة». الخصم والحكم واحد. كيف يجوز ذلك؟ يجب ألا تكون لجنة التحقيق حكومية بالكامل، بل لا بد من إشراك جهات مستقلة فيها لكسب الثقة». إلاّ أن الطراونة ينوّه إلى أن العديد من الشكاوي المقدمة بسبب الاستخدام المفرط للقوة غالبًا ما تتضمن هدفًا آخر يتعلق بمحاولات المطلوبين للتهرب من الملاحقات القانونية، حيث «أثبتت التحقيقات في مجموعة ادعاءات أن استخدام القوة كان ضمن الإطار القانوني للمقاومة الشديدة لأمر القبض أو الإجراءات القانونية الأخرى»، بحسب قوله. يشير النجداوي إلى لجوء العديد من المتهمين من رجال الأمن للضغط على عائلة المتوفي لإسقاط حقه الشخصي في القضايا التي يثبت فيها استخدام الأمن للقوة المفرطة في المداهمات الأمنية، ما يقلل من الحكم، الأمر الذي يستنكره رئيس لجنة قضايا معان، محمد أبو صالح. «تستطيع الدولة دفع التعويضات، لكنها هل تعوّض الوطن عن حجم التشويه الذي أصاب صورة رجل الأمن في عين المواطن؟». ولم يتمكن حبر من الوصول للقضايا المنظورة أمام محكمة الشرطة، لعدم منحه التصريح اللازم لذلك من مديرية الأمن العام.
[تم إعداد هذا التقرير بالتعاون مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان (JHR).]
[صورة المقال بعدسة صلاح ملكاوي، وكالة أنباء الأناضول، عمّان، 13-07-2012.]
[المقال تصميم حسام دعنة. يعاد نشر المقال ضمن اتفاقية شراكة بين "جدلية" ومجلة "حبر"]